فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} معطوف على قوله: {أو كالذي مر على قرية} [البقرة: 259]، فهو مثال ثالث لقضية قوله: {الله ولي الذين آمنوا} [البقرة: 257] الآية ومثال ثان لقضية {أو كالذي مر على قرية} فالتقدير: أو هو كإبراهيم إذ قال رب أرني إلخ.
فإنّ إبراهيم لفرط محبته الوصول إلى مرتبة المعاينة في دليل البعث رام الانتقال من العلم النظري البرهاني، إلى العلم الضروري، فسأل الله أن يريه إحياء الموتى بالمحسوس. اهـ.

.قال أبو حيان:

مناسبة هذه الآية لما قبلها في غاية الظهور، إذ كلاهما أتى بها دلالة على البعث المنسوب إلى الله تعالى، في قول إبراهيم لنمروذ {ربي الذي يحيي ويميت} لكن المار على القرية أراه الله ذلك في نفسه وفي حماره، وإبراهيم أراه ذلك في غيره، وقدّمت آية المار على آية إبراهيم، وإن كان إبراهيم مقدّمًا في الزمان على المار، لأنه تعجب من الإحياء بعد الموت، وإن كان تعجب اعتبارٍ فأشبه الإنكار، وإن لم يكن إنكارًا فكان أقرب إلى قصة النمروذ وإبراهيم، وأما إن كان المار كافرًا فظهرت المناسبة أقوى ظهور.
وأما قصة إبراهيم فهي سؤال لكيفية إراءة الإحياء، ليشاهد عيانًا ما كان يعلمه بالقلب، وأخبر به نمروذ. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

إنه تعالى لم يسم عزيرًا حين قال: {أَوْ كالذى مَرَّ على قَرْيَةٍ} [البقرة: 259] وسمى هاهنا إبراهيم مع أن المقصود من البحث في كلتا القصتين شيء واحد، والسبب أن عزيرًا لم يحفظ الأدب، بل قال: {أنى يحيي هذه الله بعد موتها} وإبراهيم حفظ الأدب فإنه أثنى على الله أولًا بقوله: {رَبّ} ثم دعا حيث قال: {أَرِنِى} وأيضًا أن إبراهيم لما راعى الأدب جعل الإحياء والإماتة في الطيور، وعزيرًا لما لم يراع الأدب جعل الإحياء والإماتة في نفسه. اهـ.

.قال أبو حيان:

وفي افتتاح السؤال بقوله: رب، حسن استلطاف واستعطاف للسؤال، وليناسب قوله لنمروذ {ربي الذي يحيي ويميت} لأن الرب هو الناظر في حاله، والمصلح لأمره، وحذفت ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة، وهي اللغة الفصحى في نداء المضاف لياء المتكلم، وحذف حرف النداء للدّلالة عليه.
و: أرني، سؤال رغبة، وهو معمول: لقال، والرؤية هنا بصرية، دخلت على رأى همزة النقل، فتعدّت لاثنين: أحدهما ياء المتكلم، والآخر الجملة الاستفهامية. اهـ.

.قال القرطبي:

اختلف الناس في هذا السؤال هل صدر من إبراهيم عن شكّ أم لا؟ فقال الجمهور: لم يكن إبراهيم عليه السَّلام شاكًّا في إحياء الله الموتى قطُّ وإنما طلب المعانية، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به؛ ولهذا قال عليه السلام: «ليس الخبر كالمعانية» رواه ابن عباس لم يروه غيره؛ قاله أبو عمر.
قال الأخفش: لم يُرد رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين.
وقال الحسن وقَتادة وسعيد ابن جُبير والربيع: سأل ليزداد يقينًا إلى يقينه.
قال ابن عطية: وترجم الطبريّ في تفسيره فقال: وقال آخرون سأل ذلك ربّه؛ لأنه شك في قدرة الله تعالى.
وأدخل تحت الترجمة عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية أرجى عندي منها.
وذُكر عن عطاء بن أبي رَبَاح أنه قال: دخل قلبَ إبراهيم بعضُ ما يدخل قلوب الناس فقال: {رب أرني كيف تحيي الموتى}.
وذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحن أحقّ بالشك من إبراهيم» الحديث، ثم رجّح الطبريّ هذا القول.
قلت: حديث أبي هريرة خرّجه البخاريّ ومُسْلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحن أحق بالشّك من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أوَ لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوِي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الدّاعي» قال ابن عطية: وما ترجم به الطبريّ عندي مردود، وما أدخل تحت الترجمة متأوّل؛ فأما قول ابن عباس: «هي أرجى آية» فمن حيث فيها الإدلال على الله تعالى وسؤال الإحياء في الدنيا وليست مظنة ذلك.
ويجوز أن يقول: هي أرجى آية لقوله: {أوَلم تؤمن} أي إن الإيمان كاف لا يحتاج معه إلى تنقير وبحث.
وأما قول عطاء: دخل قلبَ إبراهيم بعضُ ما يدخل قلوب الناس فمعناه من حيث المعاينة على ما تقدّم.
وأما قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» فمعناه أنه لو كان شاكًا لكنا نحن أحق به ونحن لا نشك فإبراهيم عليه السَّلام أحرى ألاّ يشك؛ فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم، والذي روي فيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذلك محض الإيمان» إنما هو في الخواطر التي لا تثبت، وأما الشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، وذلك هو المنفي عن الخليل عليه السَّلام.
وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع وقد كان إبراهيم عليه السَّلام أعلم به، يدلّك على ذلك قوله: {رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258] فالشك يبعد على من تثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوّة والخُلّة، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعًا.
وإذا تأمّلت سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكًا وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرّر الوجود عند السائل والمسؤول؛ نحو قولك: كيف عِلْمُ زيد؟ وكيف نَسْجُ الثوب؟ ونحو هذا.
ومتى قلت: كيف ثَوبكِ؟ وكيف زيد؟ فإنما السؤال عن حال من أحواله.
وقد تكون كيف خبرًا عن شيء شأنه أن يُستفهم عنه بكيف، نحو قولك: كيف شئت فكن، ونحو قول البخاريّ: كيف كان بدء الوَحْي.
وكيف في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياءُ متقرِّرٌ، ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبّرون عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح، فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح؛ مثال ذلك أن يقول مدّع: أنا أرفع هذا الجبل؛ فيقول المكذِّب له: أرني كيف ترفعه! فهذه طريقة مجازٍ في العبارة، ومعناها تسليم جَدَليٌّ، كأنه يقول: افرض أنك ترفعه، فأرني كيف ترفعه! فلما كانت عبارة الخليل عليه السَّلام بهذا الإشتراك المجازي، خلص الله له ذلك وحمله على أن بيّن له الحقيقة فقال له: {أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى} فكمل الأمر وتخلّص من كل شك، ثم علّل عليه السَّلام سؤاله بالطمأنينة.
قلت: هذا ما ذكره ابن عطية وهو بالغ، ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك فإنه كفر، والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث.
وقد أخبر الله تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] وقال اللعين: {إلاَّ عبادك منهم المخلصين}، وإذا لم يكن له عليهم سلطنة فكيف يشككهم، وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها؛ فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى علم اليقين؛ فقوله: {أرني كيف} طلب مشاهدة الكيفية.
وقال بعض أهل المعاني: إنما أراد إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي القلوب؛ وهذا فاسد مردود بما تعقّبه من البيان، ذكره الماورديّ وليست الألف في قوله: {أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ} ألف استفهام وإنما هي ألف إيجاب وتقرير كما قال جرير:
ألستُم خيَر من ركب المَطايَا

والواو واو الحال.
وتُؤْمِنْ معناه إيمانًا مطلقًا، دخل فيه فضل إحياء الموتى. اهـ.

.قال أبو حيان:

وعلم أن الأنبياء، عليهم السلام، معصومون من الكبائر والصغائر التي فيها رذيلة إجماعًا، قاله ابن عطية، والذي اخترناه أنهم معصومون من الكبائر والصغائر على الإطلاق، وإذا كان كذلك، فقد تكلم بعض المفسرين هنا في حق من سأل الرؤية هنا بكلام ضربنا عن ذكره صفحًا، ونقول: ألفاظ الآية لا تدل على عروض شيء يشين المعتقد، لأن ذلك سؤال أن يريه عيانًا كيفية إحياء الموتى، لأنه لما علم ذلك بقلبه وتيقنه، واستدل به على نمروذ في قوله: {ربي الذي يحيي ويميت} طلب من الله تعالى رؤية ذلك، لما في معاينة ذلك من رؤية اجتماع الأجزاء المتلاشية، والأعضاء المتبدّدة، والصور المضمحلة، واستعظام باهر قدرته تعالى.
والسؤال عن الكيفية يقتضي تيقن ما سأل عنه: وهو الإحياء، وتقرره، والإيمان به، وأنه مما انطوى الضمير على اعتقاده. اهـ.

.قال الألوسي:

وعلى كل تقدير لا يعود نقص على إبراهيم من هذا السؤال ولا ينافي منصب النبوة أصلًا، وللناس ولوع بالسؤال عن هذه الآية وما ذكر هو المشهور فيها ويعجبني ما حرره بعض المحققين في هذا المقام وبسطه في الذب عن الخليل عليه السلام من الكلام، وهو أن السؤال لم يكن عن شك في أمر ديني والعياذ بالله ولكنه سؤال عن كيفية الإحياء ليحيط علمًا بها وكيفية الإحياء لا يشترط في الإيمان الإحاطة بصورتها، فالخليل عليه السلام طلب علم ما لا يتوقف الإيمان على علمه، ويدل على ذلك ورود السؤال بصيغة {كَيْفَ} وموضوعها السؤال عن الحال، ونظير هذا أن يقول القائل: كيف يحكم زيد في الناس فهو لا يشك أنه يحكم فيهم ولكنه سأل عن كيفية حكمه المعلوم ثبوته ولو كان سائلًا عن ثبوت ذلك لقال أيحكم زيد في الناس ولما كان الوهم قد يتلاعب ببعض الخواطر فتنسب إلى إبراهيم وحاشاه شكا من هذه الآية قطع النبي صلى الله عليه وسلم دابر هذا الوهم بقوله على سبيل التواضع: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» أي ونحن لم نشك فلأن لا يشك إبراهيم أحرى، وقيل: إن الكلام مع أفعل جاء هنا لنفي المعنى عن الحبيب والخليل عليهما الصلاة والسلام أي لا شك عندنا جميعًا، ومن هذا الباب {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [الدخان: 37] أي لا خير في الفريقين، وإنما جاء التقرير بعد لأن تلك الصيغة وإن كانت تستعمل ظاهرًا في السؤال عن الكيفية كما علمت إلا أنها قد استعمل أيضًا في الاستعجاز كما إذا ادعى مدع أنه يحمل ثقلًا من الأثقال وأنت جازم بعجزه عن حمله فتقول له: أرني كيف تحمل هذا وتريد أنك عاجز عن حمله فأراد سبحانه لما علم براءة الخليل عن الحوم حول حمى هذا المعنى أن ينطقه في الجواب بما يدفع عنه ذلك الاحتمال اللفظي في العبارة الأولى ليكون إيمانه مخلصًا بعبارة تنص عليه بفهمها كل من يسمعها فهمًا لا يتخالجه فيه شك. اهـ.

.قال الفخر:

ذكروا في سبب سؤال إبراهيم وجوهًا:
الأول: قال الحسن والضحاك وقتادة وعطاء وابن جريج: أنه رأى جيفة مطروحة في شط البحر فإذا مد البحر أكل منها دواب البحر، وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور فأكلت وطارت، فقال إبراهيم: رب أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع والطيور ودواب البحر، فقيل: أو لم تؤمن قال بلى ولكن المطلوب من السؤال أن يصير العلم بالاستدلال ضروريًا.
الوجه الثاني: قال محمد بن إسحاق والقاضي: سبب السؤال أنه مع مناظرته مع نمروذ لما قال: {رَبّيَ الذي يُحْىِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ} فأطلق محبوسًا وقتل رجلًا قال إبراهيم: ليس هذا بإحياء وإماتة، وعند ذلك قال: {رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الموتى} لتنكشف هذه المسألة عند نمروذ وأتباعه، وروي عن نمرود أنه قال: قل لربك حتى يحيي وإلا قتلتك، فسأل الله تعالى ذلك، وقوله: {لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} بنجاتي من القتل أو ليطمئن قلبي بقوة حجتي وبرهاني، وإن عدولي منها إلى غيرها ما كان بسبب ضعف تلك الحجة، بل كان بسبب جهل المستمع.
والوجه الثالث: قال ابن عباس وسعيد بن جُبَيْر والسُّدّي رضي الله عنهم: أن الله تعالى أوحى إليه إني متخذ بشرًا خليلًا: فاستعظم ذلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وقال إلهي ما علامات ذلك؟ فقال: علامته أنه يحيي الميت بدعائه، فلما عظم مقام إبراهيم عليه السلام في درجات العبودية وأداء الرسالة، خطر بباله: إني لعلي أن أكون ذلك الخليل، فسأل إحياء الميت فقال الله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنُ قَالَ بلى ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} على أنني خليل لك.
الوجه الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم إنما سأل ذلك لقومه وذلك أتباع الأنبياء كانوا يطالبونهم بأشياء تارة باطلة وتارة حقة، كقولهم لموسى عليه السلام: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} [الأعراف: 138] فسأل إبراهيم ذلك.
والمقصود أن يشاهده فيزول الإنكار عن قلوبهم.
الوجه الخامس: ما خطر ببالي فقلت: لا شك أن الأمة كما يحتاجون في العلم بأن الرسول صادق في ادعاء الرسالة إلى معجز يظهر على يده فكذلك الرسول عند وصول الملك إليه وإخباره إياه بأن الله بعثه رسولًا يحتاج إلى معجز يظهر على يد ذلك الملك ليعلم الرسول أن ذلك الواصل ملك كريم لا شيطان رجيم وكذا إذا سمع الملك كلام الله احتاج إلى معجز يدل على أن ذلك الكلام كلام الله تعالى لا كلام غيره وإذا كان كذلك فلا يبعد أن يقال: إنه لما جاء الملك إلى إبراهيم وأخبره بأن الله تعالى بعثك رسولًا إلى الخلق طلب المعجز فقال: {رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الموتى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} على أن الآتي ملك كريم لا شيطان رجيم.
الوجه السادس: وهو على لسان أهل التصوف: أن المراد من الموتى القلوب المحجوبة عن أنوار المكاشفات والتجلي، والإحياء عبارة عن حصول ذلك التجلي والأنوار الإلهية فقوله: {أرني كيف تحيي الموتى} طلب لذلك التجلي والمكاشفات فقال أولم تؤمن قال بلى أؤمن به إيمان الغيب، ولكن أطلب حصولها ليطمئن قلبي بسبب حصول ذلك التجلي، وعلى قول المتكلمين: العلم الاستدلالي مما يتطرق إليه الشبهات والشكوك فطلب علمًا ضروريًا يستقر القلب معه استقرار لا يتخالجه شيء من الشكوك والشبهات.
الوجه السابع: لعله طالع في الصحف التي أنزلها الله تعالى عليه أنه يشرف ولده عيسى بأنه يحيي الموتى بدعائه فطلب ذلك فقيل له {أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} على أني لست أقل منزلة في حضرتك من ولدي عيسى.
الوجه الثامن: أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أمر بذبح الولد فسارع إليه، ثم قال: أمرتني أن أجعل ذا روح بلا روح ففعلت، وأنا أسألك أن تجعل غير ذي روح روحانيًا، فقال: أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على أنك اتخذتني خليلًا.
الوجه التاسع: نظر إبراهيم صلى الله عليه وسلم في قلبه فرآه ميتًا بحب ولده فاستحيى من الله وقال: أرني كيف تحيي الموتى أي القلب إذا مات بسبب الغفلة كيف يكون إحياؤه بذكر الله تعالى.
الوجه العاشر: تقدير الآية أن جميع الخلق يشاهدون الحشر يوم القيامة فأرني ذلك في الدنيا، فقال: أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على أن خصصتني في الدنيا بمزيد هذا التشريف.
الوجه الحادي عشر: لم يكن قصد إبراهيم إحياء الموتى، بل كان قصده سماع الكلام بلا واسطة.
الثاني عشر: ما قاله قوم من الجهال، وهو أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان شاكًا في معرفة المبدأ وفي معرفة المعاد، أما شكه في معرفة المبدأ فقوله: {هذا رَبّى} وقوله: {لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبّى لأَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين} [الأنعام: 77] وأما شكه في المعاد فهو في هذه الآية، وهذا القول سخيف، بل كفر وذلك لأن الجاهل بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى كافر، فمن نسب النبي المعصوم إلى ذلك فقد كفر النبي المعصوم، فكان هذا بالكفر أولى، ومما يدل على فساد ذلك وجوه أحدها: قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} ولو كان شاكًا لم يصح ذلك.
وثانيها: قوله: {ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} وذلك كلام عارف طالب لمزيد اليقين، ومنها أن الشك في قدرة الله تعالى يوجب الشك في النبوّة فكيف يعرف نبوّة نفسه. اهـ.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِن} ففيه وجهان أحدهما: أنه استفهام بمعنى التقرير، قال الشاعر:
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

والثاني: المقصود من هذا السؤال أن يجيب بما أجاب به ليعلم السامعون أنه عليه السلام كان مؤمنًا بذلك عارفًا به وأن المقصود من هذا السؤال شيء آخر. اهـ.
وقال الفخر:
اعلم أن اللام في {لّيَطْمَئِنَّ} متعلق بمحذوف، والتقدير: سألت ذلك إرادة طمأنينة القلب، قالوا.
والمراد منه أن يزول عنه الخواطر التي تعرض للمستدل وإلا فاليقين حاصل على كلتا الحالتين. اهـ.